الاثنين، 25 يوليو 2011

حرب داخل حدود الوطن

نورس الشباني
كان يستيقظ ولدي قبل أذان الفجر و هو يتفقد حقائب سفره وهل أنها تحتوي كل ما يحتاجه أم لا و كنتُ أستيقظ معه كي أهيئ له متاعه و طعام إفطاره ثم نسمع صوت المؤذن و نتوجه إلى الصلاة و أرفع يدي إلى السماء أدعو البارئ أن ينصر بلدي و أبناءه الأوفياء الذين يدافعون عنه ثم أذهب إلى ولدي لأراه قد ارتدى زيه العسكري و هو بكامل هندامه و قد أضفى عليه الزي أناقة و هيبة فأضع يدي على كتفه و الأخرى قد أمسكتُ بها القرآن محاولة تمريره على رأس ولدي داعية له بالحماية و الرجوع سالماً هو و أقرانه ثم أقف على باب المنزل مودعة ((توكل على الله ... و محروس بعينه)) .
هكذا كانت (أم ليث) تودع إبنها الذاهب للالتحاق بالجيش العراقي و ليخوض غمار المعارك التي أقحمنا فيها النظام السابق و راح ضحيتها آلاف الشهداء الذين كانوا يحاربون الأعداء القابعين خارج حدود بلادنا متحملين ألوان المخاطر و أهوال الحرب و نيرانها .
حيث كان التجنيد إلزامياً و لا مفر من الالتحاق بالجيش و رغم ذلك لم تكن الأعداد التي يتألف منها الجيش العراقي كبيرة كما هي عليه الآن على الرغم من عدم الدخول في مثل تلك الحروب منذ سقوط نظام الطاغية إلى الآن و التناقض الآخر هو أننا كنا نشعر بأمان أكبر و نعيش حياة أهدأ مما هي عليه الآن بكثير فكيف يمكننا تفسير هذه التناقضات ؟ هل الراتب هو ما يجعل الشباب يتناسون شهاداتهم و اختصاصاتهم و يتهافتون للالتحاق بالجيش العراقي الحالي خاصة و نحن نرى العديد منهم قد أكمل دراسته الجامعية و ترك اختصاصه لينخرط في صفوف الجيش أو الشرطة حيث نسمع الكثير منهم و هو يقول ((أريد أكوّن نفسي بسرعة و أبني بيت)) فهل أصبحت هذه الطريقة الوحيدة التي يمكن للشاب فيها أن يحقق أحلامه و يضمن مستقبله إذ أن هذا على خلاف ما كان يحصل من قبل حين كنا نرى العديد و هم يحاولون استغلال أي فرصة تعفيهم من الالتحاق بالجيش ، و كيف سنفسر أيضاً عدم شعورنا بالأمان كما كنا من قبل حيث بين فترة و أخرى نعلن حالات الإنذار المستمرة كلما أردنا الخروج لزيارة العتبات المقدسة أو الاحتفال بعيد ما أو ذكرى استشهاد أو ربما مناقشة عملية سياسية .
ربما كان شعورنا بأن أعدائنا هم خارج حدود الوطن و ثقتنا بأبنائنا الشجعان هو ما يعطينا حس الأمان و الاطمئنان حينذاك ، حيث إننا نرى جنودنا الآن بعرباتهم و زيهم العسكري داخل المناطق السكنية منتشرين بين المدنيين ليحاربوا ضعاف النفوس في هذا البلد ممن غرر بهم و أيضاً ممن لم يفهم معنى الحرية و الديمقراطية بالمفهوم الصحيح و صار يحاول الأخذ بحقه بالطريقة التي يراها هو مناسبة و ليس بالطريقة القانونية و المنطقية التي يمليها علينا العقل و يفرضها القانون و هذا الذي زاد من صعوبة مهمة أفراد جيشنا العراقي فربما سيجعله هذا يقف موقف الحائر إذ أنه تعلم حماية بلده من الغرباء فكيف سيتمكن الآن من حماية بلده من أبناء بلده أنفسهم الذين استغل العدو خارج الحدود كل المراحل السابقة التي مروا بها ليستثمرها فيما يمكن أن يضعف من وطننا و يجعله تحت وطأة الاستعمار بصورة مستمرة بل و يشعره بحاجته الدائمة إليه ، و ربما هذا هو السبب نفسه الذي زاد من خطورة الأمر حيث نجد بعضاً من الخارجين عن القانون و لو بممارسات بسيطة لكنها ذات تأثير سلبي كبير على مستقبلنا و تقدمنا نجده قد يفلت من تطبيق القانون عليه نتيجة لمعرفته بأحد أفراد الشرطة أو حتى الجيش أو نتيجة لإعطائه مبلغاً من المال لأحد منهم و تفادى العقوبة و هذا من شأنه إشاعة الفوضى و الفساد بكل أنواعه فربما لاحظنا كثرة تداول الحبوب المخدرة و تناول الكحول و العثور على البيوت المشبوهة و عمليات السلب و القتل و غيرها أكثر من الفترة التي سبقت سقوط النظام مما يدفع بحكومتنا إلى استنفاذ كثير من الأموال و الطاقات و الجهود في طريق السعي إلى تحقيق الأمان الذي بات مطلب و أمنية كل العراقيين بدلاً عن استنفاذها في البناء و الإعمار و توفير المتطلبات اليومية للمواطن العراقي من ماء و كهرباء و غيرها من الأمور التي يمكن أن تدفع بعجلة التقدم إلى الأمام .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.