بعد أن أنهى الرسول محمد صلى الله عليه و آله و سلم حجة الوداع ، و في طريق عودته
إلى المدينة المنورة وحينما انتهى موكبه إلى غدير خم ، هبطَ عليه أمين الوحي
جبرئيل يحمل رسالة من السماء بالغة الخطورة , وكانت هذه الرسالة تحتم عليه
بأن يحطَّ رِحالَهُ ليقوم بأداء هذه المهمة الكبرى وهي تنصيب الإمام أمير
المؤمنين (ع) خليفة ومرجعاً للأمة من بعده (ص), فنزل عليه الوحي بهذه
الآية: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ
رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَل فـما بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ).
فانبرى (ص) بعزم ثابت وإرادة صلبة إلى تنفيذ إرادة الله
فوضع أعباء المسير وحَطَّ رِحاله في رمضاء الهجير وأمر القوافل أن تفعل مثل
ذلك وكان الوقت قاسياً في حرارته حتى كان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه
لِيَتَّقِي به من الحَر ثم أمَرَ (ص) باجتماع الناس فَصلَّى بهم وبعد ما
انتهى من الصلاة أمر أن توضع حدائج الإبل لتكون له منبراً ففعلوا له ذلك
فاعتلى عليها وكان عدد الحاضرين - فيما يقول المؤرخون - مِائة ألف, أو
يَزيدونَ على ذلك وأقبلوا بقلوبهم نحو الرسول (ص) ليسمعوا خطابه فأعلن (ص)
ما لاقاه من العناء والجهد في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من الحياة الجاهلية
إلى الحياة الكريمة التي جاء بها الإسلام ، كما ذكر (ص) لهم كَوكَبَة من
الأحكام الدينية وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم ثم قال لهم: (انظُروا
كَيفَ تُخَلِّفُوني في الثقلين) فناداهُ منادٍ من القوم: ما الثقلان يا
رسول الله؟ فقال (ص): (الثقل الأكبر كتابُ الله طَرفٌ بِيَدِ اللهِ عَزَّ
وَجلَّ وَطرفٌ بِأَيديكُم فَتَمَسَّكُوا به لا تَضلُّوا والآخر الأصغر
عِترَتي وإنَّ اللَّطيفَ الخَبيرَ نَبَّأَنِي أنَّهُمَا لن يَفتِرقا حَتى
يَرِدَا عَلَيَّ الحَوض فَسَألتُ ذلك لَهما رَبِّي فلا تُقَدِّمُوهُمَا
فَتهلَكُوا ولا تُقَصِّرُوا عَنهُمَا فَتَهلَكُوا), ثم أخذ (ص) بيد وَصيِّه
وباب مدينة علمه الإمام علي (عليه االسلام) لِيَفرضَ ولايته على الناس
جميعاً حتى بَانَ بَياضُ إِبطَيْهِمَا, فنظر إليهما القوم ثم رفع (ص) صوتُه
قائلاً: (يَا أَيُّهَا النَّاس, مَنْ أولَى النَّاس بِالمؤمنين مِن
أَنفُسِهم ؟) فأجابوه جميعاً: اللهُ ورسولُه أعلم فقال (ص): (إنَّ الله
مولاي, وأنا مولى المؤمنين, وأنا أولَى بهم من أنفسِهِم, فـمن كنتُ مَولاه
فَعَلِيٌّ مَولاهُ) قال ذلك ثلاث مرات أو أربع, ثم قال (ص): (اللَّهُمَّ
وَالِ مَن وَالاَهُ وَعَادِ مَن عَادَاهُ, وَأَحِبَّ مَن أَحبَّهُ وَأبغضْ
مَن أبغَضَهُ, وانصُرْ مَن نَصَرَه واخْذُل مَن خَذَلَهُ, وَأَدِرِ الحَقَّ
مَعَهُ حَيثُ دَار, أَلا فَلْيُبَلِّغِ الشاهِدُ الغَائِبَ) وبذلك أنهى
(ص) خطابه الشريف الذي أَدَّى فِيه رسالة الله, فَنَصَّبَ أمير المؤمنين
(ع) خليفة, وأقامه عَلَماً للأمة، وقَلَّدَهُ مَنصب الإمامة.
و كان علي عليه السلام إنسان قبل أن يكون مسلماً و إماماً ، إنسان يقتدي به
كل إنسان بعيداً عن الدين و اﻹنتماء فهو من صنف الناس إلى صنفين ، أخ في الدين
أو نظير في الخلق ، و حاول إرساء مبادئ اﻹنسانية في حكمه فلم يقعد في بيته
متناسيا شعبه كما هم أغلب حكامنا اﻵن و لم يحكم على أساس واسطة أو محسوبية
و منسوبية ، و لم يضيّع حق أحد عنده أو عند اﻵخرين و لم يرضَ بالظلم ﻷحد و غيرها من الصفات الرائعة و الأفعال الحميدة.
عليٌّ ليس إنساناً ولد ليموت ، بل ليحيا في قلب كل إنسان يسعى ﻹرساء مبادئ
اﻹنسانية و العدالة و الشجاعة و التسامح و الحب و العطاء ... لذلك أنا أبايعه كما أمر الله و
رسوله و أحييه في قلبي دائماً و أبداً بتوفيق الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.